كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد وآخر التطورات والمستجدات 13 جمادى الأولى 1447هـ 04 نوفمبر 2025م
04-11-2025
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ الأعزَّاء:السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛
قال الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:23].
صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.
اليوم هو افتتاح الذكرى السنوية للشهيد،والتي تستمر على مدى أسبوعٍ كامل، بأنشطةٍ متنوعة، وفعالياتٍ ثقافية، والمناسبة هي مناسبةٌ مهمة، وفي البداية نتوجَّه بتحية الإعزاز والإكبار والتقدير لكلِّ أسر وأقارب الشهداء.
في هذه المناسبة يتم التركيز على:
– الاحتفاءبالشهداء، والتقدير والتمجيد لعطائهم في سبيل الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، وتضحياتهم العظيمة، وإسهامهم الكبير فيما قدَّموه لخدمة أمتهم، وقضاياها المقدَّسة، والعظيمة، والمهمة.
– وكذلكالاستلهام للدروس العظيمة، من روحيتهم، وسيرتهم.
– وكذلكالترسيخ لقدسية وعظمة الشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما تعنيه لنا كأمةٍ مسلمة.
– وكذلكالتكريم لأسر الشهداء، والتذكير بالمسؤولية تجاههم.
r والبداية هي: تذكيرٌ عن عظمة الشهادة، ومقامها، وماذا تعنيه:
-
الشهادة في سبيل الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى” هي فوزٌ عظيم بكل ما تعنيه الكلمة:
ويتجلَّى ذلك من خلال الآيات القرآنية المباركة، التي تبيِّن لنا هذه الحقيقة عن الشهادة، وتبيِّن لنا في نفس الوقت أنَّها مقامٌ عظيم، ومنزلةٌ رفيعة، ومرتبةٌ عالية عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:169-171].
يتبيَّن لنا من خلال هذه الآيات المباركة،أنَّ الشهداء فازوا فوزاً عظيماً بالشهادة في سبيل الله، وما وهبهم الله، وما أعطاهم من رفيع المنزلة، وعظيم التكريم، والحياة السعيدة، الطيِّبة، الهنيئة، التي هم فيها في حالة ضيافةٍ مستمرةٍ عند الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، بكل ما يعنيه ذلك من تكريمٍ عظيم.
ولذلك فالشهادة هي امتياز، وتقديرٌ عظيمٌ،جعله الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للذين قُتِلوا في سبيله، بكل ما يعنيه هذا العنوان المهم: (في سبيل الله): من أجل الله، وتحرَّكوا وفق الطريق التي رسمها، انطلقوا على أساس تعليماته وتوجيهاته “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، واستجابوا لأوامره “جَلَّ شَأنُهُ”.
ولذلك لمَّا قُتِلوا في سبيله، من أجله،في الطريق التي رسمها، من أجل القضية التي أمرهم في التَّحَرُّك فيها؛ منحهم هذا الامتياز، هذا التقدير، هذا التكريم العظيم، الذي جعل ربما الكثير منهم- وربما بكلهم- يعبِّرون كما عبَّر المؤمن الذي ذكر الله قصته في (سورة يس)، لمَّا استشهد في سبيل الله، فقال حينئذ لِمَا رآه من التكريم العظيم، والمنزلة العالية:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس:26-27]؛ لأن الشهداء يحظون عند الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى” بالتكريم المعنوي العظيم، مع الحياة الراقية، الهنيئة، السعيدة، الطيِّبة، السالمة من كل المنغِّصات، والتي أصبحوا فيها في حالة اطمئنانٍ تام، مع النعيم، والاستبشار، والرزق الذي ينعمون به، اطمئنان تجاه مستقبلهم أيضاً في الآخرة، في جنة المأوى، في المستقبل الأبدي الخالد، فهي امتيازٌ وتقديرٌ عظيمٌ جداً، يبيِّن لنا أنَّه لا خسارة مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أبداً.
حينما نتحرك في سبيل الله، حينما نلقى الله وقد قُتِلنا في سبيله، فنحن لم نخسر بفوات هذه الحياة، بل إنَّ الله وهبنا ما هو خيرٌ منها، وأعلى منها، وأرقى منها، وأسعد منها بما لا يقارن، بحياةٍ هنيئة،{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[آل عمران:169]، في مقام الضيافة والتكريم الإلهي،{يُرْزَقُونَ}[آل عمران:169]، بما يعني أنها حياةٌ حقيقيةٌ، يعيشون فيها في رزقٍ وفرحٍ واستبشارٍ، بل إنهم يستبشرون{بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ}[آل عمران:170]؛ لأنهم فيما وصلوا إليه من النعيم، يستبشرون لبقية رفاقهم، رفاق دربهم، الذين يسيرون في نفس الطريق، متى يصلون إلى ذلك النعيم؟ وبأنه فعلاً هو الذي يصل إليه من يتحرَّك في هذا الطريق، فيلقى الله شهيداً، فلا خسارة مع الله أبداً، بل الفوز العظيم.
-
ثم هي أيضاً مواساةٌ عظيمةٌ لأقاربهم وذويهم:
هذا مما في الشهادة في سبيل الله،وما وعد الله به الشهداء في سبيله، وما جعل لهم من الحياة الطيِّبة، والسعيدة، والهنيئة، والتكريم العظيم، والمنزلة الرفيعة والعالية، مما فيه فعلاً مواساة كبيرة جداً لأسرهم، وأقاربهم، ورفاق دربهم، ومحبيهم، حينما يتذكَّرون أنَّ شهداءهم انتقلوا إلى حياة طيِّبة وسعيدة، أسعد وأهنأ من هذه الحياة، وأطيب، وأرقى، وأعلى منها، وأنهم حظوا بذلك الفضل العظيم، والتكريم الكبير عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهذا مما يواسيهم في مصابهم بذويهم وأقاربهم (بالشهداء)، يجعلهم يفرحون لهم بأنهم فازوا بهذا الشرف العظيم، وانتقلوا إلى ذلك المقام الرفيع، وحظوا بتلك الرعاية الإلهية العظيمة، والحياة السعيدة الهنيئة، فمن الذي يندم على أنَّ قريبه أو رفيقه وصل إلى ذلك المقام والحياة الطيِّبة، وهو يحب له الخير، بل إنه يفرح له، وإن كان الأسى على فراقه أو نقصه.
-
ثم هي تحفيزٌ كبيرٌ جداً على الجهاد في سبيل الله تعالى باستبسال، والتَّحَرُّك في الموقف الحق مهما كانت التحديات والمخاطر:
وهذا من أهم فوائد الشهادة في سبيل الله،وما جعله الله للشهداء من تكريم، وحياةٍ طيِّبة وهنيئة، أنَّ هذا يحفِّز الآخرين على أن يجاهدوا في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حينما يدركون- مع عظمة وفضل الجهاد، وأهميته، وضرورته- يدركون أنهم في حال لقوا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قتلى في سبيله، فإنهم يحظون من خلال ذلك بهذه المنزلة الرفيعة، بهذا التكريم العظيم، بهذا النعيم والحياة السعيدة الهنيئة، الخالصة من كل المنغِّصات؛ فهم بذلك يتحفَّزون للانطلاقة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وقد أزيحت عنهم أخطر العوائق المؤثِّرة نفسياً، فالكثير من الناس قد لا يتحرَّك في سبيل الله وهو يخاف على حياته في هذه الدنيا، يتصوَّر أنَّه قد يُقتَل عندما يتحرَّك في سبيل الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، حينما يجاهد، ولكن حينما يؤمن بأنَّ الشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هي- كما ذكر الله في القرآن الكريم- هي انتقال إلى حياة أفضل من هذه الحياة، أسعد من هذه الحياة، أرقى وأسمى، وبنعيمٍ عظيم، وتكريمٍ معنويٍّ كبير؛ حينها يتخلَّص من هذا العائق النفسي، فينطلق في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهو يدرك أنه إذا استشهد فاز، وظفر بهذه المرتبة، وهذا النعيم، وهذا التكريم؛ وبالتالي ينطلق باستبسال، بإقدام، بجرأة، بثبات، لم يعد خائفاً من مسألة أن يُقتَل في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
والأعداء الذين يجعلون من الجبروت، والقتل، والاستهداف للناس وسيلةً لإذلال الناس،واستعبادهم من دون الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويجعلون منه كذلك المعادلة التي يُخضِعون بها المجتمعات البشرية، حينما يرون في الذين يتحرَّكون في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أنهم لا يرهبونهم، لا يخافون منهم، أنهم قد تحرروا من عقدة الخوف والذل، التي يسلِّطونها على المجتمعات كوسيلة لإخضاعها، واستعبادها من دون الله، لهذا أهمية كبيرة جداً في تغيير هذه المعادلة، تتحوَّل إلى حافز ودافع للجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
-
ثـم هي مرتبــةٌ إيمانيــةٌ راقيــة:
الإنسان إذا وصل في إيمانه بالله إلى مستوى الاستعداد للتضحية بنفسه في سبيل الله،وانطلق على هذا الأساس في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهذا من كمال إيمانه، ومن أهمِّ المصاديق التي تثبت المصداقية في الانتماء الإيماني؛ ولهذا قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ}[التوبة:111].
-
الشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ليست بديلةً عن ثقافة الحياة:
يعني:أنَّ هناك- مثلاً- من يطرح أنَّ: [الحديث عن الشهادة في سبيل الله يعني دفعٌ للناس للتخلي عن هذه الحياة، وأنَّها ثقافة الموت، وبعيدة عن ثقافة الحياة]، الشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هي ثقافة الحياة الحقيقية؛ لأن الإنسان إذا استشهد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو يحظى بحياة أشرف، أسعد، أهنأ، أطيب، أرقى، أسمى، أعلى، أكرم من هذه الحياة، فهي حياة بكل ما تعنيه الكلمة.
ثم إنَّ الأُمَّة التي تتحرَّك وهي تحمل روحية الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وروحية الشهادة؛ تعتز، وتدفع عن نفسها المخاطر، تتحرَّك بإرادةٍ قوية، باستبسالٍ عظيم، بثباتٍ كبير، فتبني نفسها حتى بما تقدِّمه من الشهداء في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي في إطار تحرُّكٍ فاعلٍ ضد أعدائها، تحقق لنفسها الحياة بعزَّة، حياةً حقيقة، حياةً كريمة، حياةً بكرامةٍ إنسانية، وعزَّةٍ إيمانية، ومَنَعَةٍ في مواجهة الأعداء؛ فهي حياةٌ للأُمَّة، ووقايةٌ لها من الفناء مع الذل، فهي لا تقابل ثقافة الحياة؛ لأنها حياة؛ وإنما تقابل ثقافة التدجين للأُمَّة، لتكون ذليلةً خانعةً لأعدائها، ولا تسلم، ولا تسلم من الموت ولا من القتل؛ ولهذا ضرب الله مثلاً مهماً في القرآن الكريم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}[البقرة:243]؛ ليجعل من ذلك درساً لغيرهم.
-
هي بديلة عن ثقافة التدجين، التي تجعل الأُمَّة تقتل عبثاً وهدراً في الإبادات الجماعية:
كما حدث كثيراً في تاريخ المسلمين،هناك مراحل كبيرة- على مدى قرون من الزمن- تخلَّت فيها الأُمَّة عن الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأصبحت نظرتها للشهادة وكأنها خسارة، وترسَّخت فيها حالة الوهن، في كراهية الشهادة، وفي التشبث بهذه الحياة بنظرةٍ خاطئة، ومن منطلقاتٍ خاطئة، وبمفهومٍ خاطئ، فماذا كانت النتيجة؟ هل كانت هي سلامة الأُمَّة، حياتها، بقاؤها، بقاء الناس، سلامة المجتمعات؟!
الأمة الإسلامية على مدى تاريخها نكبت نكباتٍ كبرى،وخسرت الملايين، الملايين من أبنائها، الذين قُتِلوا في حالة استسلام، وخنوع، وخضوعٍ تام، بدون قتال، بدون موقف، استباحهم أعداؤهم وفتكوا بهم، وأبادوهم.
اقرأوا تاريخ أمَّتنا الإسلامية وما فعله المغول بها،في بغداد لوحدها، وهي آنذاك عاصمة الدولة الإسلامية بكلها، حينما وصل المغول إليها، قتلوا- بحسب الإحصائيات التاريخية، وما وثَّقته كتب التاريخ- مليون إنسان في بغداد لوحدها، لوحدها، مليون إنسان أبادوهم إبادةً جماعية، بدون أن يكونوا في حال قتال، ولا دفاع، ولا مواجهة؛ وإنما في حالة استسلام تام، وقد قبلوا بالاستسلام، وعرضوا الاستسلام، وقدَّموا الاستسلام، فأبادوهم بهذا المستوى الشنيع جداً من الإبادة، وهَلَك مثل هذا العدد أو أكثر بالطاعون؛ لأن الجثامين بقيت من دون دفن آنذاك، وانتشرت الكثير من الأوبئة، وفي مقدِّمتها: الطاعون، فَهَلك الكثير مِمَّن كانوا مختفين أو مختبئين، بما يقارب هذا العدد أو أكثر منه كما في كتب التاريخ، أبيدت مجتمعات بأكملها، مدن، أبيد فيها كل سكانها، البعض ثلاثمائة ألف، بعض المدن مائتين ألف… وهكذا.
ما فعله الصليبيون في حملاتهم الثمان على هذه الأُمَّة،كم أبادوا! كم قتلوا! كم سبوا من النساء والأطفال من أبناء هذه الأُمَّة، وأخذوهم إلى أوروبا؟ ما حدث فجائع كبرى في تاريخ هذه الأُمَّة.
ثم في الاستعمار الأخير،في مرحلة الاستعمار كلها، منذ الاستعمار البرتغالي، والبريطاني… والأوروبي بشكلٍ عام، وصولاً إلى هذه المرحلة من تاريخ الأُمَّة، هي تقدِّم الكثير والكثير من القتلى في غير قتال، في غير موقف، في غير تحرُّكٍ يدفع عنها شرَّ أعدائها؛ إنما هكذا بالهدر، بالمجان.
الأمريكيون اعترفوا- في هذا العام- بأنهم قتلوا على مدى العشرين عاماً الماضية ما يقارب ثلاثة ملايين،معظمهم من أبناء هذه الأُمَّة، مِمَّن قتلوهم وهم في غير قتال، في غير موقف؛ إنما قتلوهم ضمن اعتداءاتهم المعروفة على هذه الأُمَّة.
ماذا لو كانت هذه التضحية (ثلاثة ملايين شهيد) في إطار جهاد،وموقف، ودفع لخطر الأعداء، ودفع لشرهم، والاستهداف لهم، في مقابل أنهم يستهدفون هذه الأُمَّة، ويعتدون عليها بغير حق، ويظلمونها، ويسعون لاستعبادها من دون الله، ويسعون إلى إذلالها، إلى نهب ثرواتها، إلى احتلال أوطانها، إلى السيطرة عليها، إلى مصادرة كل حقوقها؟ لكانت المعادلة مختلفة.
فالشهادة هي تقابل ثقافة التدجين،الذي نتيجته الفناء لغير ثمرة، لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
-
وهي أيضاً بدلٌ عن استغلال هذه الأُمَّة لتقديم القرابين والتضحيات في خدمة أعدائها:
الكثير من أبناء هذه الأُمَّة يتجنَّدون،بدفع، باستقطاب، بتشجيع، بتحفيز، بإغراءات مادية، بتضليل رهيب، لتقديم أنفسهم قرابين في خدمة أمريكا وإسرائيل، وفي خدمة الأجندات والمؤامرات والعناوين التي يدفع إليها الأمريكي والإسرائيلي؛ لأنها تخدمه، لأنها تفيده، لأنها تحقِّق أهدافه، فيما يريد أن تصل به هذه الأُمَّة في وضعها الداخلي، لما يهيئها لسيطرته التامة.
ونحن نشاهد ذلك،سواءً في حركات التكفيريين، أو غيرهم من القوى والتشكيلات، التي تنطلق وقد غيَّرت بوصلة عدائها إلى حيث يريد الأمريكي، وحيث يريد الإسرائيلي؛ فتعادي من يريد منها الأمريكي ومنها الإسرائيلي أن تعاديه، وأن توجِّه كل طاقتها، قدراتها، وتضحي الكثير والكثير في سبيل أمريكا وإسرائيل، ونحن نشاهد اليوم في أمتنا تشكيلات عسكرية، أنظمة، فئات كثيرة تتحرَّك على هذا الأساس، لتقدم التضحيات الكبيرة، وليس هناك لا تثبيط، ولا تخذيل، ولا صد، ولا لوم، ولا تشويه تجاه تحرُّك من هذا القبيل، تحرُّك في إطار ما يخدم الأمريكيين والإسرائيليين، والعناوين التي يرسمونها للخداع والتضليل، وما يصحب ذلك أيضاً من إغراءات… وغير ذلك.
-
والشهادة في سبيل الله هي استثمارٌ للرحيل المحتوم في واقع البشر:
والذي هو حالة يومية في الحوادث والوفيات،يعني: في كل يوم هناك الكثير من البشر يرحلون من هذه الحياة، ما بين من يلقى حادثاً يسبب لوفاته، والحوادث كثيرة، لو لم يكن منها إلَّا حوادث السير، والتي محصلتها في كل العالم بشكل يومي بالآلاف، بالآلاف يرحلون من هذه الدنيا، وهناك الكثير من الناس [إن لم يمت بالسيف مات بغيره، تعددت الأسباب والموت واحد].
فإذاً الشهادة هي البديل عن كل ذلك،فهي استثمار عظيم فتحه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لعباده المؤمنين، والرحيل من هذه الحياة هو محتوم، لكن عندما يكون الرحيل بشهادة في سبيل الله، فهو أرقى وأسمى رحيل من هذه الحياة، وباستثمار عظيم لهذا الرحيل المحتوم، هكذا يجب أن تكون نظرتنا للشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
-
والشهادة- كما قلنا- هي مرتبطة بقضية، وبموقف:
الولاية الاخبارية موقع اخباري وثقافي لمن يسلك الطريق الی الله




